أمن البحر الأحمر- تحالف مصري إريتري لمواجهة أطماع إثيوبيا.

المؤلف: د. عمرو هاشم ربيع09.11.2025
أمن البحر الأحمر- تحالف مصري إريتري لمواجهة أطماع إثيوبيا.

في تطور لافت للأحداث الإقليمية، اجتمع مؤخرًا وزير الخارجية المصري، بدر عبدالعاطي، مع الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، في لقاء تناول قضية محورية ذات أهمية قصوى: أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر. وقد أكد الجانبان خلال المحادثات على ضرورة حصر إدارة هذه المنطقة الحيوية بالدول المطلة عليها، ورفض أي تدخلات خارجية قد تزعزع استقرارها.

وفي هذا السياق الدقيق، يتلاقى الموقفان المصري والإريتري في نقطة ارتكازية، ألا وهي الرفض القاطع لمنح إثيوبيا أي موطئ قدم على امتداد سواحل البحر الأحمر. هذا الرفض هو المحرك الأساسي الذي دفع القاهرة نحو توطيد علاقاتها وتعزيزها مع مقديشو في الفترة المنصرمة، سعيًا للحفاظ على الأمن الإقليمي.

تجدر الإشارة إلى أن العاصمة المصرية، القاهرة، قد استضافت في منتصف عام 2024 سلسلة من اللقاءات الرفيعة المستوى مع كبار المسؤولين الصوماليين، وذلك على خلفية التحركات الإثيوبية المثيرة للجدل. ففي يناير/ كانون الثاني 2024، أبرمت أديس أبابا اتفاقًا مع جمهورية "أرض الصومال"، وهي كيان غير معترف به دوليًا، يسمح لها بالحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر، وذلك مقابل اعتراف إثيوبيا باستقلال هذه الجمهورية عن الصومال.

إزاء هذه التطورات المتسارعة، أدركت القاهرة حجم التهديد المباشر الذي يلوح في الأفق، فسارعت إلى إدانة هذا الاتفاق المشبوه، وحشدت الدعم الإقليمي والعربي لرفضه. ثم توّجت جهودها الحثيثة بتوقيع بروتوكول تعاون وثيق مع الصومال في أغسطس/ آب 2024، تضمّن تقديم دعم عسكري شامل لمقديشو في مواجهة الضغوط الإثيوبية المتزايدة.

وبعد فترة وجيزة من ذلك، بدأت إثيوبيا في مراجعة موقفها من الاتفاق المثير للجدل مع "أرض الصومال"، وذلك لعدة أسباب جوهرية:

  1. معارضة داخلية شرسة: واجه الاتفاق معارضة قوية من داخل "أرض الصومال" نفسها، حيث قاد المعارض البارز عبدالرحمن محمد عبدالله (عرّو) حملة شرسة ضد الاتفاق، وهو ما تعزز بفوزه الساحق في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، متعهدًا بالحفاظ على استقلال بلاده وتجنب التجاذبات الإقليمية.
  2. رهان أكثر استدامة على الصومال: باتت أديس أبابا تدرك أن إقامة شراكة متينة مع مقديشو، الدولة المعترف بها دوليًا، يوفر لها فرصًا أفضل بكثير من التعامل مع كيان غير معترف به دوليًا.
  3. مخاطر جمة للتعاون مع جيبوتي: نظرًا للاستثمارات الأجنبية الضخمة في موانئ جيبوتي وانتشار القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها، فضلًا عن العوائق المتعددة التي تفرضها جبهة تحرير تيغراي على الطريق الحيوي الواصل بين إثيوبيا وجيبوتي.

القاهرة تعيد حساباتها الدقيقة بسبب تردد الصومال

في المقابل، بدأت القاهرة بدورها في إعادة تقييم حساباتها بشأن الاتفاق الاستراتيجي مع الصومال، وذلك بسبب ما بدا من تردد وتذبذب من جانب مسؤوليها. فبعد التقارب الملحوظ بين تركيا والقاهرة مؤخرًا، قامت أنقرة بدور الوساطة بين مقديشو وأديس أبابا، حيث جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وأثمر هذا اللقاء عن "إعلان أنقرة" في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2024، الذي نص على استمرار المشاورات المكثفة بين البلدين لمدة أربعة أشهر، بهدف تهدئة الأوضاع المتوترة والسماح لإثيوبيا بإيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر عبر الأراضي الصومالية.

أثار هذا التحرك قلقًا بالغًا في القاهرة، إذ بدا واضحًا أن الصومال لم يعد يعوّل بالكامل على الدعم المصري في مواجهة النفوذ الإثيوبي المتنامي، بل أصبح يبحث عن تحقيق توازن دقيق في علاقاته الإقليمية المعقدة.

ومع ذلك، سعت كل من مصر وتركيا إلى الفصل بين علاقاتهما العامة وبين دور أنقرة المحوري في المصالحة بين الصومال وإثيوبيا، وهو ما تجلى بوضوح خلال اللقاء الإيجابي المثمر بين الرئيسين أردوغان والسيسي في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2024، على هامش قمة الدول الثماني التي انعقدت في القاهرة.

إزاء هذا التطور المعقد، وجدت مصر نفسها مضطرة لإعادة تقييم موقفها الاستراتيجي، دون أن تفقد الأمل في استمالة الصومال بعيدًا عن النفوذ الإثيوبي. وفي 23 يناير/ كانون الثاني 2025، وقعت القاهرة ومقديشو اتفاقًا هامًا لرفع العلاقات الثنائية إلى مستوى "الشراكة الإستراتيجية"، حيث شمل التعاون بين البلدين مجالات الأمن والسياسة والاقتصاد والدفاع والقضاء.

لكن على الرغم من هذا الاتفاق الطموح، بدا أن الصومال يمارس سياسة تتسم بالمرونة والحذر، حيث:

  • استقبلت مقديشو وزيرة الدفاع الإثيوبية عائشة محمد في 2 يناير/ كانون الثاني 2025، لمناقشة الترتيبات المتعلقة بمشاركة إثيوبيا في بعثة "أوصوم" التي وافق عليها مجلس الأمن في ديسمبر/ كانون الأول 2024 لتحل محل "بعثة أتميس"، مع انسحاب العديد من الدول الأفريقية منها لإفساح المجال أمام إثيوبيا.
  • قام الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بزيارة رسمية إلى أديس أبابا في 11 يناير/ كانون الثاني 2025.
  • رد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الزيارة بزيارة مماثلة إلى مقديشو في 27 فبراير/ شباط 2025.

إثيوبيا بين رياح القاهرة وأسمرا المتعاكسة

في ظل هذا المشهد الإقليمي المعقد والمتشابك، وجدت القاهرة ضالتها المنشودة في إريتريا، التي لطالما كانت الحجر الصلب الذي يتحطم عليه طموح إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري منذ استقلالها عنها في مايو/ أيار 1993. وعلى الرغم من أن أسمرا وقفت إلى جانب أديس أبابا في مواجهة جبهة تحرير تيغراي، فإن الخلافات التاريخية العميقة بين البلدين ما زالت أكبر بكثير من المصالح المشتركة الظرفية.

استغلت القاهرة هذه النقطة الحساسة، فاتخذت خطوتين رئيسيتين:

  • الزيارة الهامة التي قام بها الرئيس السيسي إلى أسمرا في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، حيث عقد قمة ثلاثية مع نظيرَيه الإريتري والصومالي، وناقشوا سبل تأمين منطقة البحر الأحمر الحيوية ومنع إثيوبيا من تحقيق أهدافها الاستراتيجية هناك.
  • زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي لأسمرا في 28 فبراير/ شباط 2025، حيث قام بتسليم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره الإريتري، في إطار تعزيز التنسيق الثلاثي الوثيق بين مصر والصومال وإريتريا.

وهكذا، فقد أدركت مصر، وإن كان ذلك متأخرًا، أنها أضاعت فرصًا ثمينة لمواجهة إثيوبيا في ملف سد النهضة الشائك منذ عام 2020، حين سمحت لأديس أبابا بملء السد دون التوصل إلى اتفاق ملزم يحفظ حقوقها المائية، وهو خطأ فادح تحاول تصحيحه الآن عبر تحركاتها الإقليمية النشطة والدبلوماسية المكثفة.

لكن يبقى السؤال المطروح بإلحاح: هل ستنجح مصر هذه المرة في إفشال المساعي الإثيوبية الحثيثة، التي لا تقتصر على النفوذ الاقتصادي المتنامي، بل تسعى أيضًا إلى تحقيق وجود استراتيجي دائم على سواحل البحر الأحمر؟ وحدها الأيام القادمة كفيلة بالإجابة القاطعة على هذا السؤال المصيري.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة